The Sea Elder......

شيخ البحر


تونس من قبل و الآن مصر مرة أخرى

سمعت كثيراً عن وزن مصر و حضورها في وجدان البشر القاطنين في المنطقة، التي لم أعد أقوى على تسميتها بالعربية أو الإسلامية، فما شهدناه في الأيام الماضية، لم يعد يقبع تحت مظلة إله أو دين أو قومية

فالشعب قرر الحراك، و جاءت نتيجة تحركه لتغير وجه التاريخ مرة جديدة

تتطلع أنظار شعوب المنطقة و كلها أمل بحركة شعب مصر، ذلك الشعب الذي كلما تحرك غير وجه الدنيا

طال مخاض مصر و كان الوليد حسن الوجه و كامل التكوين، يشبه أباه الشعب و أمه مصر، البشر الذين حموا المتحف من السرقة، البشر الذين حموا إخوتهم في الميدان حين كانوا يمارسون شعائرهم الدينية، البشر الذين كانوا ينظفون الميدان عند انتهاء المظاهرات، هم نفسهم الذين ناموا بين عجلات الدبابات و تحت جنازيرها، كيلا يعطوا فرصة للمخبرين و كلاب السلطة أن يقوموا بأفعال تشوه صورة الشيء العظيم الذي قام به شباب و بنات و كبار و صغار مصر

ذلك الشاب و الفتاة الذان عقدا قرانهما في ميدان التحرير، ذلك الشيخ الذي أتى ليشارك أبناء وطنه تحويل الحلم إلى واقع

الزغاريد التي انطلقت بعد أيام من الانتظار، أيام كانت عصيبة على الجميع و لكنها كانت فرحاً و حريةً و تحرراً من الخوف، من الظلم، من سنين الجوع، كان صوتها يصم الآذان، آذان كل المتخاذلين و المتقاعسين، و الخائفين، وصلتنا زغاريد مصر حتى دمشق، حتى بيروت و تونس و الجزائر و اليمن و أطربتنا كما كانت أم كلثوم توحد أهالينا الذين كانوا يتحلقون حول راديو صغير ليسمعوا أم كلثوم تغني بلهجة مصرية زرعت عميقاً في وجدان شعوب المنطقة و لأجيال عديدة، زرعت بذرة، و تكفلتها بصوتها لتكبر، ليأتي صوت مقاومين آخرين سبقوا أو لحقوا بالثورة المستمرة من أجيال في مصر التي كانت تتحرك من تحت الرماد، بصوت سيد درويش أو الشيخ إمام، و غيرهم الكثير من حطب الثورة

أعتذر من شعب مصر، فقد شككت في قدرتهم على الحركة، في قدرتهم على قول كلمتهم، عندما زرت مصر أكثر من مرة، هزني وضع الشارع المصري، و آلمتني حالة الناس في الشوارع، و ظننت و كنت مخطئاً بأن هذا الشعب لن يفيق و يقلب الطاولة على مستبده

يسير النيل معظم أيام السنة بيسر وهدوء، وعندما يفيض، يفيض بعنف، آخذاً معه كل الطمي و الرواسب التي تراكمت معلناً عهداً جديداً و أرضاً خصبةً قادرة على حضانة موسمٍ جديد و فرح جديد، و الآن فاض نيل مصر، و علينا الآن العمل بجد، و اجتهاد لنحصد ثمار الموسم الجديد

عندما تتحرك مصر، يتحرك وجدان شعوبنا، وعندما تنام مصر، تسيطر الكوابيس على أحلام أولادنا

فلسطين تئن تحت الظلم و الاحتلال، و زاد أنينها بغياب مصر، هل لنا أن نحلم بصحوة مصر، و فتح المعابر إلى غزة المحاصرة؟ هل لنا أن نحلم أن يصل نظام وطني إلى حكم مصر؟ يكون حاضنة لصحوة شعوب المنطقة، يعمل على تحريك ملفات عالقة، منذ زمن بعيد

كان الحلم حلماً حتى استفاق شعب مصر، فاستحال واقعاً وقفت معه قوى العالم ذاهلة من إصراره

عذراً تونس لم ننسَ أنك من حركت الجمر، أنك من قلت أن الشعب إذا أراد الحياة فلا يوجد قدرة فوق إرادته، أنت من قلت الثمن و إن كان غالياً يستحق أن يدفع، لأنه لا جدوى و لا حياة في حياةٍ فيها من العبودية و الظلم و الخوف ما نعيشه

شكراً مصر، و شكراً تونس، على أمل أن نسمعها منكم قريباً

تستحقون الحياة و تستحقون الحرية، فهنيئاً لكم و هنيئاً لنا بكم

مشاعر وأفكار متلاحقة ومليئة بالوجد والعواطف تلك التي وجدت طريقها إلى هذه الكلمات، ليست لها ترتيب محدد و ليس لها هدف محدد، سوى مشاركتها معكم

أتمنى أن لا أكون قد أثقلت عليكم أو ألهيتكم عن متابعة الأخبار التي لم يعد كياني قادراً على استيعابها كلها

مساؤكم عبير ثورات طال انتظارها

لو جمعنا دموع عينينا لصارت نهراً أخذ معه كل وسخ بلادنا
لو جمعنا آهات صدورنا لصارت عاصفة أخدت معها كل تلوث في نفوسنا
لو جمعنا أحلامنا لصارت حرية شعوبنا حقيقة و أمراً واقعاً

ما فعله التوانسة و المصريين، أنهم أسقطوا حرفين من جملي السابقة محولين الجملة من ...الماضي إلى الحاضر، من الحلم للحقيقة، من الأمل إلى الفعل

0 comments:

Post a Comment