![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgiC7uL4giWX5GtyVlEhlmwLEaKHpw21NrVDYMTIs-hW7K4ADwGjwYQFPRv2trAjjaJbuXbQN0t0RzJ3CwY5WZ_GlNyOyXoD7T190EuMhUm32N_cm0Uy76FEf7_AYTRvd7nk-V8obEKi08/s400/j.png)
ظهيرة يوم 16 آذار 2011، وبينما كنت في طريقي لموعد عمل، مررت قرب إحدى صروح النضال العمالي العالمي "اتحاد نقابات العمال" وداعبت أذني موسيقى لطالما عشقتها عندما كنت لا أزال أبحث عن مثال أعلى في حياتي، كانت موسيقى لمارسيل خليفة لأغنية باسم الجسر، تقول يعبرون الجسر في الصبح خفافاً، أضلعي امتدت لهم جسراً وطيداً.
وكان الهواء اللطيف يلوح عدداً من اللافتات المعلقة من حولي، كتب عليها المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري، وشعار المطرقة والمنجل، الأحمر اللون، ذلك الأحمر الذي صبغ أعلاماً عديدةً استقت من دم الشهداء والمناضلين وجودها ومعناها. رقص قلبي طرباً للموسيقى ولمعت عيناي بريقاً أشاع القشعريرة في جسدي، كم أعشق هذا اللون وهذه الموسيقى وهذا الشعار.
وأنا أقترب من المكان كنت أرى حولي سيارات فارهة الطول والعرض، متشحة بلون الغربان، وتحمل شعارات وأسماء رأسمالية صرفة، وأفكر بيني وبين نفسي وألمح لرفيق دربي بأن ثمن ضوء إحدى هذه السيارات يكفي بإطعام عائلة فقيرة لمدة تزيد عن الستة أشهر.
كنت أعزي نفسي وأنا أسير بين السيارات بأن لا زال في القلب أمل، وأن احتفالاً كالذي يحصل قريباً هو أمل، أمل لعائلات فقيرة كثيرة، وكانت نفسي تنصت بانتباه، ودون تعليق، ولكن بحذر، خوف كل نفس على صاحبها من الصدمة، الصدمة التي تعثرت بها بعد عدة خطوات، عندما اكتشفت بأن هذه السيارات التي سخرت منها لعدة دقائق، كانت هي نفس السيارات التي هبط منها قيادات وأصدقاء الحزب الشيوعي السوري، نظرت ذاهلاً إلى إحدى هذه السيارات التي كانت تقل عجوزاً عمره ينوف على ثمانين عاماً يهبط من سيارته التي يقودها سائق خاص.
تجاوزت المهنئين والمستقبلين وذهبت لموعدي الذي لم يكن بعيداً عن الاتحاد، والغصة تملأ صدري، وقلبي شارد وعقلي ذاهل.
لقد كان أمام الاتحاد عدد من السيارات تبلغ أثمانها ما يقارب عمر أولئك العجائز الذين هبطوا منها، وما يكفي لإطعام فقراء بلدي لعدد أيام ليس بقليل، وله أن يقارب السنة، أو يزيدها بقليل.
عندما خرجت من موعدي، وعدت أدراجي باتجاه مقر عملي، كان علي أن أمر ثانية من أمام اتحاد نقابات العمال، ولكن هذه المرة كانت موسيقى مارسيل خليفة قد توقفت، ومن داخل الاتحاد كان صوت أحد الرفاق يعلو فوق ازدحام الشارع المجاور، وهو يتبجح أمام رفاقه بانجازات الحزب وتوجهاته المستقبلية تحت مظلة الجبهة الوطنية التقدمية ويحلل بدقة وضع البلد الداخلي والاقليمي والدولي، ويمتدح ثبات موقفنا من القضايا المصيرية، وربما جاء على ذكر مكتسبات الطبقة الكادحة والعاملة، واقتصاد سوريا الذي يسجل معدلات نمو عالية، ونسبة البطالة التي تضمحل مع خطط الدولة الخمسية.
غير بعيد عن ذلك المكان، كان هناك آخرون من سكان بلدي يتظاهرون أو يعتصمون، عائلات المعتقلين، معتقلي الرأي والضمير، الذين يقضون محكومياتهم في سجن مدني عوضاً عن سجن صيدنايا-السياسي، كي لا نعطي أي ذريعة لمنظمات دولية أو محلية باستغلال الحادثة والقول أن لدينا مساجين سياسيين.
أولئك المتظاهرين كانوا يمارسون حقهم الدستوري في الاعتصام والتظاهر والتعبير عن النفس والمطالبة بالإفراج عن ذويهم، معترضين على العفو الذي طال العديد من الأفراد الذين كانوا في السجون "المدنية" واستثنى أولئك الذين يملكون ألسنة أوهنت أو كادت أن توهن نفسية الأمة، واستقوت بجهات خارجية معادية للثورة.
كنت أبتعد عن اتحاد نقابات العمال وعن صوت الرفيق الثوري الذي أمضى نصف عمره مناضلاً أو على الأقل عضواً في حزب مناضل، والنصف الآخر أو ما عاشه منه في التنصل من النصف الأول، وفي بالي حق الانسان الذي يعيش في هذا البلد في التعبير عن رأيه، الحق في التظاهر والاعتصام، حق كل فرد فينا أن يعبر عن فيض المشاعر تجاه فلسطين، تجاه تونس ومصر، تجاه مجازر ليبيا، تجاه ما يجري في اليمن والبحرين، حقه في أن يعبر عن ما يجول في خاطره من أحلام وأمنيات لهذا البلد، هذا البلد الذي نحمله في داخلنا جميعاً، حملناه في داخلنا مذ كنا نتعلم أول دروس الحياة.
لم أكن أعرف في تلك اللحظات، أن المتظاهرين، قد فرقوا بالقوة، وتم احتجاز بعضهم وتم اقتياد البعض منهن تحت التهديد إلى فرع أمني، تحت حجة أن بعض المنسدين يقومون بإطلاق شعارات تخالف هدف التجمع.
ربما كانوا مئة، أو مئة وخمسين شخصاً، ربما أصبحت أسماء بعضهم أو وجوههم معروفة لدى العديدن، لأنهم ناشطون في أغلب النشاطات أو التجمعات أو المطالبات. قد يكون بعضهم قد لمس سقف المسموحات في بلدي مرة أو مرات.
بعضهم قد تعرضوا لمضايقات بينما قضى بعضهم بعض الوقت في ضيافة أحد الفروع الأمنية، ربما حملوا صور أولادهم ورفاقهم وربما قال بعضهم لا للظلم ولا للتعسف، ولكنهم لا يزالون مواطنين سوريين ولا يزالون أبناء بلدي، أبناء سوريا التي تتسع للجميع، دون تمييز، ديني او طائفي او مذهبي او طبقي او اجتماعي.
لم أكن هناك، ولم أكن في التجمعات التي حصلت قبلها، ولكن أحس بأنني مدين لهؤلاء المعتصمين بهذا النص، عله يكون شاهداً ولو لم يكن شاهد عيان، كي لا تمر وقفتكم دون ذكر أو أهمية، كي لا تكونوا وحدكم في الساحات والطرقات.
عودة للمنجل والمطرقة
احترام هذا الشعار المثل، واجب على كل من يؤمن به، وعليه، لا أقدر أن أفهم قيادياً في حزب شيوعي يركب سيارة كتلك التي رأيتها ظهر اليوم.
إن لم تعودوا قادرين على حمل هذا الشعار، فاتركوه. فهو ليس لكم أصلاً، هو لعامل يحمل مطرقة ولفلاح يحمل منجلاً. ولانسان يحترم الاثنين كما يحترم نفسه.
إهداء النص
إلى كافة معتقلي الرأي والضمير، إلى كافة الفلاحين والعمال في سوريا، إلى الانسان القابع في مكان ما داخل كل منا بانتظار حريته.
لك أنتِ، التي تحتاج إلى خطوة صغيرة لتتغلب على خوفها الداخلي.
0 comments:
Post a Comment