The Sea Elder......

شيخ البحر

ياأخي!!

يا

يا أخي

يا ابن أمي و أبي

سوريا أمنا و الشعب أبانا

فهل لنا أن ننتظر عدة أيام أخر قبل أن نثكل أهلنا؟

هل من أحد يوصل هذه الكلمات لأخوتنا؟

ألم نرضع نفس الحليب؟ ألم نرعَ نفس العشب الأخضر الذي علمونا اسمه وطناً؟

ألم نتشارك جميعاً في أسرارنا الصغيرة، حبنا الأول، مغامرتنا الجنسية الأولى ربما، ألم نستمع إلى قصص الجدات، و بطولات الأخوة الأكبر؟

ألم نسترق النظر إلى بنت الجيران و نلهو في حارتنا بعيد الظهر؟

كم من الأشياء الصغيرة التي تشاركناها سويةً، تلك التي شكلت عالماً حضننا طويلاً، فهل لنا أن نرد له الصنيع بمثله، بدل أن نقدم له أشلاءً من أبناءه

دم السوري على السوري حرام

الدم سوري و الجسد سوري و الوطن سوري

يا حماة حنا معاكِ للموت

21/06/2011 التاسعة صباحاً،بعكس اتجاه السير

عندما تضيق مساحة الحرية ليصبح الجسد الواحد محيطها، تشعر الروح باختناق

كم مرهق شعور الانسان بأنه لوحده بين مئات البشر

هل الجنون هو البقاء وحيداً أم اللحاق بالقطيع؟؟

غصة في الروح واختناق في العقل الذي لم يعد يجد مايقوله لتلك الروح التي تأبى أن تسلم خناقها لغريزة القطيع

كيف لها أن تصمد مع بحر البشر الهائج من حولها، يؤلهون العبودية والتبعية

بكيت...

بكيت كثيراً، وبكيت وحيداً دون أن تسقط دمعة واحدة

أحرقتني دموعي، بينما كنت أهرب من سعير البشر الهائمين على وجوههم، ميممين شطر ساحة في بلدي، كي يقدموا فروض الطاعة والولاء لسيد البلاد وبديل الإله، ناسين أو متناسين حقيقة مفادها أن الشعب هو مصدر السلطات وهو مقياس شرعيتها ومصداقيتها، وليس العكس كالتابع لها ومؤتمر بغلها وكذبها

في هروبي اكتشتف إني رسمت خارطة بين حارات مدينتي التي أحب، لم يكن لتلك الخارطة سمة معينة أو اسم محدد، ولكنني قررت تسميتها خارطة سوريا

فسوريا التي أرغب، هي سوريتي ولكن فيها متسع لثلاثة وعشرين مليون ونيف، لكل منهن حلمه الخلاص وسوريته الخاصة

ثلاثة وعشرون مليون لوناً يشكلون معا خليطاً لم تعهده الطبيعة من قبل

لايمكن لشخص أو حزب أو كتلة أن تختصره، ولكن خليطاً كهذا يتمازج مع واقعه ليخلق سوريا التي تتسع لنا جميعاً، ولفرحنا جميعاً، للدمع كما للبسمة، لمستقبل أطفالنا كما لتاريخ أجدادنا

لن أسمح لأحد مهما كبر أو صغر أن يسرق مني تلك السوريا التي أحب

سأمشي في حاراتها وزورايبها وضيعها ومدنها، وأحب ألوانها جميعاً كما يجب علي أن أفعل

ولكم أن تمروا بي على عجل ودون أن أستوقفكم، لكم أن تستهينوا بحجمي وتأثيري، ولكن لاتنسوا إنني ثلاثة وعشون مليون لوناً

ولاتنسوا أن الزمن يمضي بنا وأن الذي سيبقى على هذه الارض هو أنا

شعب سوريا سيبقى

ستتبدل الفصول وتتغلب السنوات ويبقى الشعب، سيحاول البعض طلسه بلون واحد أو لونين، ولكن الصباغ يزول ويبقى ويبقى لونه الأصلي

لابد للقيد ان ينكسر

ولابد لضوء أن يولد

الحب...هل هو بحاجة لتعريف؟

يعرف إريك فروم الحب في كتابه "فن الحب" بأنه موقف يحدد علاقة الشخص بالعالم ككل ,وليس تجاه موضوع واحد للحب, فإذا أحب الإنسان شخصاً بذاته ولم يكترث ببقية رفاقه , فهذا ليس حباً بل تعلق تكافلي أو أنانية متسعة

والأناني ليس هو الشخص الذي يحب نفسه فقط بل على النقيض إنه يفتقد إلى الإعجاب بنفسه فيميل إلى الاهتمام بنفسه بشكل مفرط للتعويض. وهو لا ينظر إلى العالم الخارجي إلا من باب ماذا يمكن أن يحصل عليه منه , وهو يفتقد الاهتمام بحاجات الآخرين واحترام كرامتهم وتكاملهم ولا يستطيع أن يرى سوى نفسه .إذ أن فقدانه الإعجاب بنفسه أدى إلى شعوره بالدونية وبالتالي شعوره بالكراهية تجاه نفسه وبالتالي حدوث الأنانية ليس مهتما إلا بنفسه ويريد كل شيء لنفسه ولا يشعر بلذة في العطاء بل يشعر بها في الأخذ. لكنه في الواقع لا يبذل سوى محاولة فاشلة لتغطية وتعويض فشله في العناية بنفسه.

يقول إريك فروم إن العناصر الرئيسة في الحب هي أربعة

الرعاية: الحب هو الاهتمام الفعال بنمو وحياة ذلك الذي نحبه

المسؤولية: أن تكون قادراً ومستعداً لأن تستجيب لحاجات الآخرين سواء عبروا عنها أم لم يعبروا

الاحترام: وهو القدرة على رؤية الشخص كما هو وإدراك فردانيته المتفردة أي تقبل الآخر كما هو على عيوبه دون أن نفرض عليه أي تغيير

المعرفة

وهو جانب من الحب لا يتوقف عند المحيط بل ينفذ إلى اللب أي أن ترى محبوبك في داخل نفسه وتتفهم طبيعته وطريقة تفكيره

كلمات صباحية

ليس الحب والجمال والحياة في الأخذ والاستحواذ، كلما كانت العلاقة مع الأشياء من حولنا علاقة فيها الأخذ والعطاء، الاستحواذ والإحاذة

كلما تماهينا مع الشيء وصرنا كلّاً واحداً معه مع الحفاظ على فردانيتنا وصفاتنا الذاتية، كلما أحسسنا بأن هذا التفاعل يملؤنا أكثر

كن أنتَ للشيء بقدر ما يكون لك، لا تنتظر بل بادر تجاه الأشياء، الأشياء بوصفها أي مكوّن من محيطك، بما في ذلك الإنسان أو ما يشبهه

من زمن طاغور وقبل ذلك بكثير عرف الإنسان أن قيمة الأشياء تزول وتنتهي كلما حاولنا تملكها أكثر، ومع ذلك اخترعوا النقود واخترعوا الملكية واخترعوا أنظمة اجتماعية واقتصادية وحتى أخلاقية؛ لتضمن لهم ملكية طائفة وتحجب عنهم ما هو حقيقي وثابت ومستمر

غريبون هم البشر يجهدون كي ينشئوا هكذا نظام، علماً أن نصف هذا الجهد كان ليكلفهم لو تركوا أنفسهم لى فطرتهم

لست أقول بأن البشر خيرون بالمطلق أو بالفطرة، ولكن تغريب الإنسان عن ذاته وعن ما يملؤه فعلاً بات من الأشياء التي تجعلني أحس بالألم، ألم روي عميق، كلما نظرت إلى إنسان ورأيت ما يحيك لي داخله من أفكار واستراتيجيات كي يحصل مني على يريد بأقل قدر ممكن مما لديه كي يعطي

لم هذه المراكمة؟؟؟ في الدين لا أحد يأخذ معه شيئاً

في الفلسفة كلنا فانون

أترك السؤال مفتوحاً ولعلي أطلت الحديث، وتشعبت به، ولكن منذ البارحة وأفكار شتى تتحرك في رأسي، وأحس بأن استلابي للعمل والحياة المقيتة التي تسحبنا رويداً رويداً نحو علاقاتٍ إنسانية أقل وأضحل روحياً، بات شغلاً شاغلاً في روحي

كان فيّ البارحة مشاعر أتمنى لو أقدر على نقلها لكل من أحب، مناظر تعيد إلى البال الصفاء والراحة والانسجام مع المحيط

واليوم أعود إلى العمل والكذب والرياء، محاولاً كما في كل يوم، أن أكون أنا كما أريد، أن أحافظ على روحي يوماً آخر، أن ينتهي نهاري وما زال في الروح والقلب جرعة أخيرة، تساعدني على الإحساس بالجمال والحب فلذة كبد كفيلة أن ترد لي جسدي الذي استلب كما بروميثيوس، كي أنهض صباح يوم جديد لتنهشني آلة العمل ورأس المال

العدل والرحمة، الأب هو الأب، عادلٌ كما حد السيف، تخالجه في لحظات مشاعر التسامح والرحمة، ولكن عمله ووظيفته تفرضان عليه أن يكون صاحب القرار الصلب والثابت كما السيف

الأم هي الأم، طبيعتها الأنثوية وإحساسها الكلي بالحياة يدفعها أن تتسامح مع الخطأ وترحم المخطئ

الديانات، أبوية وأمومية، الأب يحاسب بالصراط المستقيم كما الإسلام

أما الأم فهي تسامح وتحمل خطايا البشر كما حملها المسيح على ظهره صليباً ثم صلب عليه

هل كان من الصعب على الإنسان القديم، أن يخترع ديناً فيه من العدل ما فيه من الرحمة؟ مكالمة البارحة، أثارت في تساؤلاً جديداً

هل من حاجة داخلنا، تدفعنا لطلب الرحمة والتسامح رغم معرفتنا بأننا أخطأنا ونستحق حساباً عادلاً؟

أحس بأن قدرتي على التسامح " وهي كبيرة" نسبياً تأتي من غياب الأب في حياتي، وحضور طاغٍ للأنثى، ولا أقدر سوا أن ألاحظ التغيير الذي طرأ ويطرأ علي منذ سنوات فقد بتّ عادلاً أكثر، مع الاحتفاظ بقدرتي على التسامح، علاقتي مع نفسي أصبحت أكثر استقراراً، ودوري ومسؤوليتي باتت أكثر وضوحاً

تقول غادة السمان: ما الذي بقي لنحس إننا يجب أن نقف ونمسك بما تبقى لنا من حياة؟

يتبقى وعينا بأن كل لحظة متبقية يمكن أن تتحول إلى أزلية إذا منحناها ذاتنا بصدق متفان بلا نهاية.

لقد تبقى ما كان هناك منذ البداية: الإيمان بمجموعة من البديهيات التي جعلنا هذا العصر الرديء نضطر لإثباتها بدمنا..

وحتى في تلك اللحظة الكئيبة، حين ينسحب ضوء الإصرار من ذاتنا، علينا أن نسلم الراية ليد لم تتعب بعد، وروح ما تزال مصرة على الركض لإضاءة الشمعة الإلهية التي هي العدالة والحق والحب والفرح... والخبز غير المرّ

و لا أجد مزيداً من الكلمات لأضيف

أطلت عليكم، أتمنى أن تلامس كلماتي شيئاً في داخل كل منكم، وأتمنى أن أسمع ردوداً فيها ما ابتدأت به كلماتي هذه

أخذ وعطاء، إحساس بالروح القابعة داخل كل منا، حبيسة، تنفلت للحظات معلنة أنها الأقوى، وأنها لا تموت

موال عالسريع

في مساكين لو بقدر آويها

وناس استبد بضعيفها قويها

إذا المسكين قله شي آويها

بيكون فلتان لحظة من العذاب

منجل ومطرقة


ظهيرة يوم 16 آذار 2011، وبينما كنت في طريقي لموعد عمل، مررت قرب إحدى صروح النضال العمالي العالمي "اتحاد نقابات العمال" وداعبت أذني موسيقى لطالما عشقتها عندما كنت لا أزال أبحث عن مثال أعلى في حياتي، كانت موسيقى لمارسيل خليفة لأغنية باسم الجسر، تقول يعبرون الجسر في الصبح خفافاً، أضلعي امتدت لهم جسراً وطيداً.

وكان الهواء اللطيف يلوح عدداً من اللافتات المعلقة من حولي، كتب عليها المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري، وشعار المطرقة والمنجل، الأحمر اللون، ذلك الأحمر الذي صبغ أعلاماً عديدةً استقت من دم الشهداء والمناضلين وجودها ومعناها. رقص قلبي طرباً للموسيقى ولمعت عيناي بريقاً أشاع القشعريرة في جسدي، كم أعشق هذا اللون وهذه الموسيقى وهذا الشعار.

وأنا أقترب من المكان كنت أرى حولي سيارات فارهة الطول والعرض، متشحة بلون الغربان، وتحمل شعارات وأسماء رأسمالية صرفة، وأفكر بيني وبين نفسي وألمح لرفيق دربي بأن ثمن ضوء إحدى هذه السيارات يكفي بإطعام عائلة فقيرة لمدة تزيد عن الستة أشهر.

كنت أعزي نفسي وأنا أسير بين السيارات بأن لا زال في القلب أمل، وأن احتفالاً كالذي يحصل قريباً هو أمل، أمل لعائلات فقيرة كثيرة، وكانت نفسي تنصت بانتباه، ودون تعليق، ولكن بحذر، خوف كل نفس على صاحبها من الصدمة، الصدمة التي تعثرت بها بعد عدة خطوات، عندما اكتشفت بأن هذه السيارات التي سخرت منها لعدة دقائق، كانت هي نفس السيارات التي هبط منها قيادات وأصدقاء الحزب الشيوعي السوري، نظرت ذاهلاً إلى إحدى هذه السيارات التي كانت تقل عجوزاً عمره ينوف على ثمانين عاماً يهبط من سيارته التي يقودها سائق خاص.

تجاوزت المهنئين والمستقبلين وذهبت لموعدي الذي لم يكن بعيداً عن الاتحاد، والغصة تملأ صدري، وقلبي شارد وعقلي ذاهل.

لقد كان أمام الاتحاد عدد من السيارات تبلغ أثمانها ما يقارب عمر أولئك العجائز الذين هبطوا منها، وما يكفي لإطعام فقراء بلدي لعدد أيام ليس بقليل، وله أن يقارب السنة، أو يزيدها بقليل.

عندما خرجت من موعدي، وعدت أدراجي باتجاه مقر عملي، كان علي أن أمر ثانية من أمام اتحاد نقابات العمال، ولكن هذه المرة كانت موسيقى مارسيل خليفة قد توقفت، ومن داخل الاتحاد كان صوت أحد الرفاق يعلو فوق ازدحام الشارع المجاور، وهو يتبجح أمام رفاقه بانجازات الحزب وتوجهاته المستقبلية تحت مظلة الجبهة الوطنية التقدمية ويحلل بدقة وضع البلد الداخلي والاقليمي والدولي، ويمتدح ثبات موقفنا من القضايا المصيرية، وربما جاء على ذكر مكتسبات الطبقة الكادحة والعاملة، واقتصاد سوريا الذي يسجل معدلات نمو عالية، ونسبة البطالة التي تضمحل مع خطط الدولة الخمسية.

غير بعيد عن ذلك المكان، كان هناك آخرون من سكان بلدي يتظاهرون أو يعتصمون، عائلات المعتقلين، معتقلي الرأي والضمير، الذين يقضون محكومياتهم في سجن مدني عوضاً عن سجن صيدنايا-السياسي، كي لا نعطي أي ذريعة لمنظمات دولية أو محلية باستغلال الحادثة والقول أن لدينا مساجين سياسيين.

أولئك المتظاهرين كانوا يمارسون حقهم الدستوري في الاعتصام والتظاهر والتعبير عن النفس والمطالبة بالإفراج عن ذويهم، معترضين على العفو الذي طال العديد من الأفراد الذين كانوا في السجون "المدنية" واستثنى أولئك الذين يملكون ألسنة أوهنت أو كادت أن توهن نفسية الأمة، واستقوت بجهات خارجية معادية للثورة.

كنت أبتعد عن اتحاد نقابات العمال وعن صوت الرفيق الثوري الذي أمضى نصف عمره مناضلاً أو على الأقل عضواً في حزب مناضل، والنصف الآخر أو ما عاشه منه في التنصل من النصف الأول، وفي بالي حق الانسان الذي يعيش في هذا البلد في التعبير عن رأيه، الحق في التظاهر والاعتصام، حق كل فرد فينا أن يعبر عن فيض المشاعر تجاه فلسطين، تجاه تونس ومصر، تجاه مجازر ليبيا، تجاه ما يجري في اليمن والبحرين، حقه في أن يعبر عن ما يجول في خاطره من أحلام وأمنيات لهذا البلد، هذا البلد الذي نحمله في داخلنا جميعاً، حملناه في داخلنا مذ كنا نتعلم أول دروس الحياة.

لم أكن أعرف في تلك اللحظات، أن المتظاهرين، قد فرقوا بالقوة، وتم احتجاز بعضهم وتم اقتياد البعض منهن تحت التهديد إلى فرع أمني، تحت حجة أن بعض المنسدين يقومون بإطلاق شعارات تخالف هدف التجمع.

ربما كانوا مئة، أو مئة وخمسين شخصاً، ربما أصبحت أسماء بعضهم أو وجوههم معروفة لدى العديدن، لأنهم ناشطون في أغلب النشاطات أو التجمعات أو المطالبات. قد يكون بعضهم قد لمس سقف المسموحات في بلدي مرة أو مرات.

بعضهم قد تعرضوا لمضايقات بينما قضى بعضهم بعض الوقت في ضيافة أحد الفروع الأمنية، ربما حملوا صور أولادهم ورفاقهم وربما قال بعضهم لا للظلم ولا للتعسف، ولكنهم لا يزالون مواطنين سوريين ولا يزالون أبناء بلدي، أبناء سوريا التي تتسع للجميع، دون تمييز، ديني او طائفي او مذهبي او طبقي او اجتماعي.

لم أكن هناك، ولم أكن في التجمعات التي حصلت قبلها، ولكن أحس بأنني مدين لهؤلاء المعتصمين بهذا النص، عله يكون شاهداً ولو لم يكن شاهد عيان، كي لا تمر وقفتكم دون ذكر أو أهمية، كي لا تكونوا وحدكم في الساحات والطرقات.

عودة للمنجل والمطرقة

احترام هذا الشعار المثل، واجب على كل من يؤمن به، وعليه، لا أقدر أن أفهم قيادياً في حزب شيوعي يركب سيارة كتلك التي رأيتها ظهر اليوم.

إن لم تعودوا قادرين على حمل هذا الشعار، فاتركوه. فهو ليس لكم أصلاً، هو لعامل يحمل مطرقة ولفلاح يحمل منجلاً. ولانسان يحترم الاثنين كما يحترم نفسه.

إهداء النص

إلى كافة معتقلي الرأي والضمير، إلى كافة الفلاحين والعمال في سوريا، إلى الانسان القابع في مكان ما داخل كل منا بانتظار حريته.

لك أنتِ، التي تحتاج إلى خطوة صغيرة لتتغلب على خوفها الداخلي.

سوريا للجميع....






عربي – كردي – شركسي

أرمني – تركمان – آشوريون

يهودي - مسيحي - مسلم

ملحد – متصوف

سني – شيعي – علوي – درزي

اسماعيلي – مرشدي – يزيدي

أرثوذكس – كاثوليك – سريان

أرمن – لاتين – بروتستانت



كم لي أن أقسم ما ذكرت أعلاه إلى أقسام أصغر؟ وكم من التقسيمات أغفلت دون قصد ولكن لعدم معرفتي بها؟


مرت سنة 2010 وانقضت، مر كل منا بالكثير، أما أنا فقد أتيحت لي الفرصة أن أتعرف بلداً من جديد.

في أغلب سني عمري الماضية، كانت سوريا هي الخريطة التي درستها في كتب الجغرافيا، وحفظتها من هناك عن ظهر قلب،

أحببتها بالفطرة فهي البلد الذي ولدت فيه وتعلمت لغة أهله، وقليلاً من لهجاتها أو لكناتها.

لم أعرف الكثير من التقسيمات القومية أو الدينية أو الطائفية، فقد نشأت في أسرة حتى المتعصب فيها لم يكن ليحدثني عن هذه التفاصيل.

قرأت عن الأنبياء جميعاً كما الصحابة وتاريخ المنطقة قصصاً وروايات، لا أزال أحفظ الكثير منها، ولم أدرك كطفل أو مراهق معنى هذه القصص وانعكاسها في المجتمع وتقسيماته.

كبرت وبت أعرف القليل الذي يزيد مع كل يوم، ولكن وكوني تعلمت حب البلد بالفطرة، لم أتوقف يوماً لأسأل ما الذي أحبه وكيف أحبه؟؟؟

بالعودة إلى 2010، كان الطريق من دمشق إلى الساحل السوري، هو الطريق الوحيد الذي أعرفه تقريباً، فأنا من اللاذقية، وأقربائي يقطنون في مدن الساحل، والباقي منهم يعيش في دمشق، حمص التي أمر بها بخجل ودون أن أعرفها حقاً هي التحويلة التي لم أكن أفهم ماذا تعني، التحويلة التي تفصل بين طريق الساحل (طرطوس – بانياس – جبلة – اللاذقية) وطريق الداخل (حماة – إدلب – حلب) والبادية والمنطقة الشرقية (تدمر – الرقة – دير الزور – الحسكة)

مدينة واحدة منها مفارق طرق تأخذك إلى مدن هذا البلد وتقصيك عن مدن أخرى.


لم أزر حلب بعد أن كبرت سوى مرات قليلة، وكانت زيارة عمل أو زيارة ليلية.

أما المنطقة الشرقية والبادية فكانت أبعد من أن تصلها أحلامي.

ناهيكم عن أن جنوب بلدي الذي يحوي عدة محافظات والكثير من المدن والقرى، كان أيضاً بعيداً ما عدا القنيطرة، القنيطرة المحررة والقنيطرة المهدمة والقنيطرة المحررة بين العديد من الأقواس.

كنت اليوم في مدينة القنيطرة، وأنا أقود السيارة كان شريط الذاكرة يعرض أمامي الكثير من الصور التي التقطتها عيناي خلال 2010.

إدلب ومنها البداية، طرطوس، حماة، درعا، دير الزور، تدمر، اللاذقية، حلب، حمص. وعلى الطريق بين هذه المدن العديد من الصور وأشرطة الفيديو التي أحتاج إلى الكثير من الأقراص لأفرغها جميعاً من ذاكرتي.

بعد اكتشافي مدى جهلي بهذا البلد الذي أحب بالفطرة، بات لزاماً علي أن أعرفه، أعرف طرقه وتضاريسه، حضاراته التي مرت ولا تزال مستمرة، مدنه وقراه، سكانه وحياتهم. كي أدرك معنى الحب الفطري الغير واعي، وأرى إلى أي مدى أقدر أن أحوله إلى حب واعٍ.


بدأت مع مجموعة من الأصدقاء برنامج زيارات إلى بلدنا الذي نسكن، وفي بالي خطة غير واضحة المعالم، ولكنها واعدة، في كل شهر نقوم بزيارة لمدينة سورية، نزور آثارها إن وجدت وما أكثرها طبعاً، نمشي على أقدامنا حيث يسمح المكان، نتجول ونشم الهواء والتراب وعبق البشر القاطنين، نرى تفاصيل حياتهم بالقدر المتاح، نفهم أبعاد المكان الذي يحدد بلدنا على الخريطة، ننمي الوعي الذي يقول إن سوريا أكبر من منزلي وحارتي ومدينتي ومحافظتي، أكبر من طائفتي وديني وقوميتي، يكسر ولو بعد حين الحاجز بيننا، نحن سكان هذا البلد، يكشف الستار الذي يحجب عنا الرؤية بأن الظلم واحد والفقر واحد والاسمنت واحد والاسفلت واحد ونفوس البشر المهانة. إن البلد هذا البلد سوريا هي بلد واحد للجميع، لا أحد له الحق أن يحتكرها، أن يقول أنها بلده لوحده، هي بلد كل فرد منا، ولها علينا من الواجبات ما يضعنا أمام مسؤولية، ولنا فيها من الحقوق ما يضعنا أمام ذات المسؤولية. مسؤولية أن نحترم كوننا سوريين، أن نحترم وجود الآخر، أن نحترم حقه بالاختلاف، أن نطلب منه احترام وجودنا وحقنا بالاختلاف، أن ندرك أن معركتنا الحقيقية هي مع أنفسنا أولاً قبل العدو المحتل أو الفقر أو مصادرة الحريات أو التدخلات الأجنبية ومصالحها، أو هجرة شبابنا أو إيجاد مسكن للزواج، أو تربية طفل أو فقدان أهل، إلى العديد من تفاصيل حياتنا التي نغرق في تفاصيلها حتى الثمالة.


في زيارتنا لبلدنا ورحلة اكتشافنا لهويتنا، لم أكن قادراً على نسيان التشبيه الذي سمعته مرة عن سوريا

هل من أحد منا لم يسمع أو يرى قطعة موزاييك، تلك القطع الصغيرة الملونة التي تجتمع مع بعضها لتصنع تحفة فنية؟

تلك هي سوريا، هي مزيج من كل ما كتبت في البداية وأكثر، هي مزيج كل هذه التلاوين ومزيج عدة آلاف من السنين والمدنية والحضارة التي أنتجت لونها الخاص بها، تحفتها الفنية التي لا شبيه لها في أي مكان آخر، دون عصبية ولكن مع فردانية موزاييك هذا البلد.

الأطفال في بلدي لهم نفس البراءة، قد تسلب منهم ولكنها تولد معهم.

الشباب في بلدي لهم نفس الهموم، قد يهربون لحلول فردية أو يعيشون وهم أنهم يعانون لوحدهم، ولكنهم غارقون في أحلام تأمين حياة إنسانية أفضل، حتى لو كان يبدو للعديد منهم أن البديل هو حياة مادية مريحة أو مترفة.

الشيوخ في بلدي لهم نفس النظرة، تلك النظرة التي تنظر بأسف إلى هذا البلد، متمنية لو قدرت أن تضع بيد شبابه فرصة أفضل

الأرض في بلدي هي المختلفة، مختلفة لأنها لا تعترف بالتقسيم.

تدرك أنها كلٌّ واحدٌ، وأن استنزافها من قبل قاطنيها أو بعضهم لن يعود بالخير على أحد منهم.


عندما أخذت طريق الداخل أول مرة، كانت الرهبة والدهشة تتملكني، فقد اكتشفت أن طريق الساحل ليس هو الطريق الوحيد في سوريا، وتآلفت روحي مع الطريق ومع البشر الذين تجمعوا على طرفي الطريق، منشئين مدناً وقرى، منشئين حياةً فيها من الخصب والخصوصية ما يميزها كثيراً عن مدن الساحل.

وكانت رحلة البادية بين دمشق ودير الزور مروراً بتدمر، إحدى أمتع الرحلات في حياتي، فلطالما حلمت أن أزور البادية وأن أتعرف طبيعتها وخصوصيتها، وكانت الحقيقة أمتع وأجمل وأغنى من الحلم.

ذلك الامتداد اللانهائي للمسافة تلك العلاقة بين لون الرمل ولون الجمال ولون المسكن الذي يقطن فيه بدو وحضر تلك المنطقة، ذلك السكون الذي يلف مدناً وبشراً، تلك الحكمة والفطرة التي تراها بعيون طفلٍ يلعب كما في كهلٍ يقود قطيعاً.


أما الجنوب، فكما يقول درويش، فكان قصياً عصياً علي، لأن الجنوب يصيب مقتلاً مني في كل مرة أدير وجهي صوبه. ففي الجنوب مدينتي المحتلة، وبلدي المحتل. سمعتها مراراً، فلسطين لنا أكثر من الفلسطينيين، ولم أكن أدرك معنى الكلمة، إلا عندما زرت القنيطرة، الشعور بأن جزءاً منك محتل مغتصب مأخوذ منك بالقوة، قاتل. ولكن المؤلم أكثر، هو شعورك بالعجز عن فعل أي شيء.


أشعر بالكره تجاه قوات الأمم المتحدة، المدعوة بقوات حفظ السلام وفك الاشتباك، قوة غريبة موجودة على أرضي تحول بيني وبين أرضي المحتلة، واتفاق مهين أبقى جبهة الجولان مقفلة في وجوه العديدين من شباب بلدي. منظر المرصد المزروع في قمة تل أبو الندى يشعرني بالغصة في كل مرة أزور المدينة، منظر مزارع الرياح التي تحول هواء بلادي إلى طاقة يسخرها المحتل في خدمة مصالحه، وكمية أمطار تفيض عن حاجة المنطقة بأسرها، وتسحب لتروي مستعمراته

كل هذا يحدث تحت أعين دوريات الأمم المتحدة، التي تتصرف كما لو أنها صاحبة الأرض، فتمنع أصدقاء لنا من مرافقة بعثة دولية لجلب التفاح من الأرض المحتلة ليتم بيعه في بلده الأم


أطلت الحديث، كما جرت العادة، وربما كان النص غير مترابط أكثر من العادة، ولكن وكما العادة، لم أعتد على الكتابة بفعل إرادي بعد، فأكتب عندما تجتاحني الكلمات، وما زلت أفي بوعدي لها، بان لا أعدل أيا من نصوصي قبل نشرها


سوريا هي نحن، نحن جميعاً، منبتنا واحد، ومصيرنا واحد. الخلاص ليس فردياً والحل ليس فردياً.

دعوة مفتوحة للجميع، لمشاركتنا رحلة اكتشاف سوريا من جديد، لعل في هذا طريقةً لفهم ذلك الحب الفطري الذي يدفعنا جميعاً للقول "أنا سوري" حتى ونحن نحس بأننا نستحق أكثر في هذا البلد.


تونس من قبل و الآن مصر مرة أخرى

سمعت كثيراً عن وزن مصر و حضورها في وجدان البشر القاطنين في المنطقة، التي لم أعد أقوى على تسميتها بالعربية أو الإسلامية، فما شهدناه في الأيام الماضية، لم يعد يقبع تحت مظلة إله أو دين أو قومية

فالشعب قرر الحراك، و جاءت نتيجة تحركه لتغير وجه التاريخ مرة جديدة

تتطلع أنظار شعوب المنطقة و كلها أمل بحركة شعب مصر، ذلك الشعب الذي كلما تحرك غير وجه الدنيا

طال مخاض مصر و كان الوليد حسن الوجه و كامل التكوين، يشبه أباه الشعب و أمه مصر، البشر الذين حموا المتحف من السرقة، البشر الذين حموا إخوتهم في الميدان حين كانوا يمارسون شعائرهم الدينية، البشر الذين كانوا ينظفون الميدان عند انتهاء المظاهرات، هم نفسهم الذين ناموا بين عجلات الدبابات و تحت جنازيرها، كيلا يعطوا فرصة للمخبرين و كلاب السلطة أن يقوموا بأفعال تشوه صورة الشيء العظيم الذي قام به شباب و بنات و كبار و صغار مصر

ذلك الشاب و الفتاة الذان عقدا قرانهما في ميدان التحرير، ذلك الشيخ الذي أتى ليشارك أبناء وطنه تحويل الحلم إلى واقع

الزغاريد التي انطلقت بعد أيام من الانتظار، أيام كانت عصيبة على الجميع و لكنها كانت فرحاً و حريةً و تحرراً من الخوف، من الظلم، من سنين الجوع، كان صوتها يصم الآذان، آذان كل المتخاذلين و المتقاعسين، و الخائفين، وصلتنا زغاريد مصر حتى دمشق، حتى بيروت و تونس و الجزائر و اليمن و أطربتنا كما كانت أم كلثوم توحد أهالينا الذين كانوا يتحلقون حول راديو صغير ليسمعوا أم كلثوم تغني بلهجة مصرية زرعت عميقاً في وجدان شعوب المنطقة و لأجيال عديدة، زرعت بذرة، و تكفلتها بصوتها لتكبر، ليأتي صوت مقاومين آخرين سبقوا أو لحقوا بالثورة المستمرة من أجيال في مصر التي كانت تتحرك من تحت الرماد، بصوت سيد درويش أو الشيخ إمام، و غيرهم الكثير من حطب الثورة

أعتذر من شعب مصر، فقد شككت في قدرتهم على الحركة، في قدرتهم على قول كلمتهم، عندما زرت مصر أكثر من مرة، هزني وضع الشارع المصري، و آلمتني حالة الناس في الشوارع، و ظننت و كنت مخطئاً بأن هذا الشعب لن يفيق و يقلب الطاولة على مستبده

يسير النيل معظم أيام السنة بيسر وهدوء، وعندما يفيض، يفيض بعنف، آخذاً معه كل الطمي و الرواسب التي تراكمت معلناً عهداً جديداً و أرضاً خصبةً قادرة على حضانة موسمٍ جديد و فرح جديد، و الآن فاض نيل مصر، و علينا الآن العمل بجد، و اجتهاد لنحصد ثمار الموسم الجديد

عندما تتحرك مصر، يتحرك وجدان شعوبنا، وعندما تنام مصر، تسيطر الكوابيس على أحلام أولادنا

فلسطين تئن تحت الظلم و الاحتلال، و زاد أنينها بغياب مصر، هل لنا أن نحلم بصحوة مصر، و فتح المعابر إلى غزة المحاصرة؟ هل لنا أن نحلم أن يصل نظام وطني إلى حكم مصر؟ يكون حاضنة لصحوة شعوب المنطقة، يعمل على تحريك ملفات عالقة، منذ زمن بعيد

كان الحلم حلماً حتى استفاق شعب مصر، فاستحال واقعاً وقفت معه قوى العالم ذاهلة من إصراره

عذراً تونس لم ننسَ أنك من حركت الجمر، أنك من قلت أن الشعب إذا أراد الحياة فلا يوجد قدرة فوق إرادته، أنت من قلت الثمن و إن كان غالياً يستحق أن يدفع، لأنه لا جدوى و لا حياة في حياةٍ فيها من العبودية و الظلم و الخوف ما نعيشه

شكراً مصر، و شكراً تونس، على أمل أن نسمعها منكم قريباً

تستحقون الحياة و تستحقون الحرية، فهنيئاً لكم و هنيئاً لنا بكم

مشاعر وأفكار متلاحقة ومليئة بالوجد والعواطف تلك التي وجدت طريقها إلى هذه الكلمات، ليست لها ترتيب محدد و ليس لها هدف محدد، سوى مشاركتها معكم

أتمنى أن لا أكون قد أثقلت عليكم أو ألهيتكم عن متابعة الأخبار التي لم يعد كياني قادراً على استيعابها كلها

مساؤكم عبير ثورات طال انتظارها

لو جمعنا دموع عينينا لصارت نهراً أخذ معه كل وسخ بلادنا
لو جمعنا آهات صدورنا لصارت عاصفة أخدت معها كل تلوث في نفوسنا
لو جمعنا أحلامنا لصارت حرية شعوبنا حقيقة و أمراً واقعاً

ما فعله التوانسة و المصريين، أنهم أسقطوا حرفين من جملي السابقة محولين الجملة من ...الماضي إلى الحاضر، من الحلم للحقيقة، من الأمل إلى الفعل