The Sea Elder......

شيخ البحر


تونس من قبل و الآن مصر مرة أخرى

سمعت كثيراً عن وزن مصر و حضورها في وجدان البشر القاطنين في المنطقة، التي لم أعد أقوى على تسميتها بالعربية أو الإسلامية، فما شهدناه في الأيام الماضية، لم يعد يقبع تحت مظلة إله أو دين أو قومية

فالشعب قرر الحراك، و جاءت نتيجة تحركه لتغير وجه التاريخ مرة جديدة

تتطلع أنظار شعوب المنطقة و كلها أمل بحركة شعب مصر، ذلك الشعب الذي كلما تحرك غير وجه الدنيا

طال مخاض مصر و كان الوليد حسن الوجه و كامل التكوين، يشبه أباه الشعب و أمه مصر، البشر الذين حموا المتحف من السرقة، البشر الذين حموا إخوتهم في الميدان حين كانوا يمارسون شعائرهم الدينية، البشر الذين كانوا ينظفون الميدان عند انتهاء المظاهرات، هم نفسهم الذين ناموا بين عجلات الدبابات و تحت جنازيرها، كيلا يعطوا فرصة للمخبرين و كلاب السلطة أن يقوموا بأفعال تشوه صورة الشيء العظيم الذي قام به شباب و بنات و كبار و صغار مصر

ذلك الشاب و الفتاة الذان عقدا قرانهما في ميدان التحرير، ذلك الشيخ الذي أتى ليشارك أبناء وطنه تحويل الحلم إلى واقع

الزغاريد التي انطلقت بعد أيام من الانتظار، أيام كانت عصيبة على الجميع و لكنها كانت فرحاً و حريةً و تحرراً من الخوف، من الظلم، من سنين الجوع، كان صوتها يصم الآذان، آذان كل المتخاذلين و المتقاعسين، و الخائفين، وصلتنا زغاريد مصر حتى دمشق، حتى بيروت و تونس و الجزائر و اليمن و أطربتنا كما كانت أم كلثوم توحد أهالينا الذين كانوا يتحلقون حول راديو صغير ليسمعوا أم كلثوم تغني بلهجة مصرية زرعت عميقاً في وجدان شعوب المنطقة و لأجيال عديدة، زرعت بذرة، و تكفلتها بصوتها لتكبر، ليأتي صوت مقاومين آخرين سبقوا أو لحقوا بالثورة المستمرة من أجيال في مصر التي كانت تتحرك من تحت الرماد، بصوت سيد درويش أو الشيخ إمام، و غيرهم الكثير من حطب الثورة

أعتذر من شعب مصر، فقد شككت في قدرتهم على الحركة، في قدرتهم على قول كلمتهم، عندما زرت مصر أكثر من مرة، هزني وضع الشارع المصري، و آلمتني حالة الناس في الشوارع، و ظننت و كنت مخطئاً بأن هذا الشعب لن يفيق و يقلب الطاولة على مستبده

يسير النيل معظم أيام السنة بيسر وهدوء، وعندما يفيض، يفيض بعنف، آخذاً معه كل الطمي و الرواسب التي تراكمت معلناً عهداً جديداً و أرضاً خصبةً قادرة على حضانة موسمٍ جديد و فرح جديد، و الآن فاض نيل مصر، و علينا الآن العمل بجد، و اجتهاد لنحصد ثمار الموسم الجديد

عندما تتحرك مصر، يتحرك وجدان شعوبنا، وعندما تنام مصر، تسيطر الكوابيس على أحلام أولادنا

فلسطين تئن تحت الظلم و الاحتلال، و زاد أنينها بغياب مصر، هل لنا أن نحلم بصحوة مصر، و فتح المعابر إلى غزة المحاصرة؟ هل لنا أن نحلم أن يصل نظام وطني إلى حكم مصر؟ يكون حاضنة لصحوة شعوب المنطقة، يعمل على تحريك ملفات عالقة، منذ زمن بعيد

كان الحلم حلماً حتى استفاق شعب مصر، فاستحال واقعاً وقفت معه قوى العالم ذاهلة من إصراره

عذراً تونس لم ننسَ أنك من حركت الجمر، أنك من قلت أن الشعب إذا أراد الحياة فلا يوجد قدرة فوق إرادته، أنت من قلت الثمن و إن كان غالياً يستحق أن يدفع، لأنه لا جدوى و لا حياة في حياةٍ فيها من العبودية و الظلم و الخوف ما نعيشه

شكراً مصر، و شكراً تونس، على أمل أن نسمعها منكم قريباً

تستحقون الحياة و تستحقون الحرية، فهنيئاً لكم و هنيئاً لنا بكم

مشاعر وأفكار متلاحقة ومليئة بالوجد والعواطف تلك التي وجدت طريقها إلى هذه الكلمات، ليست لها ترتيب محدد و ليس لها هدف محدد، سوى مشاركتها معكم

أتمنى أن لا أكون قد أثقلت عليكم أو ألهيتكم عن متابعة الأخبار التي لم يعد كياني قادراً على استيعابها كلها

مساؤكم عبير ثورات طال انتظارها

لو جمعنا دموع عينينا لصارت نهراً أخذ معه كل وسخ بلادنا
لو جمعنا آهات صدورنا لصارت عاصفة أخدت معها كل تلوث في نفوسنا
لو جمعنا أحلامنا لصارت حرية شعوبنا حقيقة و أمراً واقعاً

ما فعله التوانسة و المصريين، أنهم أسقطوا حرفين من جملي السابقة محولين الجملة من ...الماضي إلى الحاضر، من الحلم للحقيقة، من الأمل إلى الفعل

للفقر وجه واحد

للفقر وجه واحد

لا أدري هل هي المصادفة؟ أم أن الحياة تضعني في طرق الفقر!!!

أم أنني أبحث أينما ذهبت عن معاناة البشر، معاناتهم المادية و الروحية.

احترت باسم المقالة أو بترتيب قصصها أو أفكارها، فهل أكتب عن الفقر في بلدي؟ في البلاد التي زرتها؟ في الكتب التي قرأتها؟

هل أكتب عنه كظاهرة مجتمعية؟ أم كنتيجة اقتصادية؟

هل أصف مشاهداتي العينية بتجرد؟ أم أحلل من مخزوني التراكمي من كتب و مقالات؟

هل للفقر وجه واحد؟

مذ نشأت كان في رأسي تحذيرٌ قديمٌ عن منطقة مجاورة لمكان نشأتي (النازحون)، منطقة قطنها ولا يزال العديد من سكان بلدي ممن نزحوا من بيوتهم و ديارهم في الجولان المحتل، ممن لم يقدروا على شراء منازل تليق بإنسانيتهم.

كان التحذير من عائلتي، بأن تلك المنطقة من المناطق المحرم علينا كصغار أن نزورها، لِمَ؟ كان السؤال و كان الجواب دوماً غير مقنعٍ.

تلك المنطقة مليئة بالمشاكل، مشاكل أمنية، سرقات، اعتداءات و ما إلى ذلك من رعب الطفولة و غموض المكان و التجربة.

و عندما كبرت وجدت أن قاطني تلك المنطقة يعانون من فقرٍ شديدٍ و نقص في الخدمات الأساسية للحياة، ماديةً كانت أم إنسانية أم معنوية. و لم تنجح محاولاتي في تبرير خوف والدتي و عزوه إلى شعور الحماية الأمومي، فقد كبرت و بتّ أرى المشاكل في تلك المنطقة بعيني. بل و تسنّت لي الفرصة بأن أرى مناطق عديدة مشابهة، يحكمها بشكل أساسي و يصبغها بطابع مشترك الفقر.

عندما انتقلت إلى ريفٍ في محافظة اللاذقية، لأقطن لمدة 9 سنين، كان التعامل مع الفقر يومياً، فمن شدة وطئته، كان علي أن أحسب مع عمتي التي لا تقرأ و لا تكتب، مصروفنا من الخبز اليومي، من بداية الشهر، كي يتسنى لنا معرفة الفائض من المصروف الشحيح أصلاً، و الذي بدوره يتوزع على عدة قنوات منها الزيت و منها المازوت للتدفئة، فلا يبقى منه سوى فروجٍ واحد في الشهر يطعم 6 أشخاص و أحياناً أكثر لتبلغ حصة الواحد منا 100غ من الدجاج أو اللحم في الشهر.

لا أزال أذكر كيف كان حذاء أي منا أنا و إخوتي و ربما أعمامي الذين كانت أنفتهم و كبرياؤهم تمنعانهم من إظهار فقرنا أمام باقي عائلات القرية، ذلك الحذاء الذي قد يكون بحاجة للإصلاح بسبب كثرة التصليحات به، خلال شتاءٍ قاسٍ يغمر المنطقة بأمطار أو ثلوج تحتاج فيما تحتاجه إلى أكثر من حذاء جديد يدفئ قدميّ.

كان الفقر مجسداً أمامي في العديد من تفاصيل حياتنا، و كنت أذهل من براعة أهل القرية في التعامل مع فقرهم، و لم أدرك إلا مؤخراً كم أثر فيّ تعاون و تماسك ذلك المجتمع مع بعضه، كيف كان الجميع و بلا استثناء تقريباً يمدون بعضهم بإمداداتٍ يحتاجها الجميع، من حطب للتدفئة أو مخلفات حيوانية لتسميد الأرض، إلى مشاركة بالمحاصيل، إلى مساعدة في عمل الأرض، وحتى في الأعمال المنزلية.

كيف كان جميع من في القرية ينظرون بعين الاحتقار لمن يتقاعس عن أداء الواجب لحماية هذا المجتمع الصغير من تأثيرات الفاقة المادية. لم يكن ذلك فقراً معنوياً بل كان مادياً بحتاً، و لكن الآن عندما أنظر إلى القرية، أجد أن الفقر المادي قد تراجع و زاد الفقر الروحي على حسابه، و أحزن. أحزن عندما أجد أن العديد من جيران بيت جدي، قد أصبحوا مكتفين، مكتفين مادياً، فانكفئوا معنوياً.

عند عودتي إلى دمشق، بعد غياب 9 سنوات، كانت المدينة غريبة علي، غريبة كمن لم يسكنها في حياته، فموقعي في الحياة قد تغير، فبينما كنت أنظر إلى الحياة كما الأشخاص من علو نصف متر، بت أرى الأشياء من أعلى، و قد أصبح طولي حوالي المترين، بت أرى التفاصيل التي كانت تبدو عوالم أخرى و أنا صغير.

بت أبحث عن معنىً، معنى لكل ما حولي، لم أستطع منع نفسي من المقارنة بين عوالم عشتها، أماكن زرتها، بشرٌ مروا في دربي أو مررت في دربهم.

حتى المدينة أمام نفسها تغيرت، و باتت بحاجة لمن يدلها على طريقها وسط انقلابات عديدة، انقلابات مجتمعية و اقتصادية، صراعات أجيال تبدأ من الأسرة و لا تنتهي فقط عند متغيرات محلية و إقليمية و دولية غيرت معالم الأرض و من عليها.

هالني اتساع المدينة، و ضيق معرفتي بها، آلمني أن مدينتي هي مدينة صغيرة بكل ما فيها من معتركات للحياة اليومية ولم أكُ أدرك بأن ما تعيشه مدينتي و أسرتي و أنا مشتركٌ لحدٍ كبيرٍ مع ما يعيشه 90% من سكان الأرض.

في سنة 2001 أتيحت لي فرصة زيارة الهند، القارة الهندية كلها كانت أمام عيني و أنا أحلق في الطائرة، طبعاً في هذه الصورة مبالغةٌ كبيرةٌ فالقارة الهندية لا يمكن أن تشاهد كلها من طائرة، مهما كانت عالية، هذا ما اكتشتفه لاحقاً. كانت إقامتي في العاصمة دلهي، و كانت العاصمة مقسمة إلى قسمين، نيو دلهي أو دلهي الجديدة، و أولد دلهي أو دلهي القديمة، بعدد سكان إجمالي يقدر في 2001 بحوالي 100 مليون نسمة، على بقعة جغرافية بمساحة نصف سوريا، و بتوزيع ديموغرافي جائر،ن حيث يقطن 80 مليون نسمة في أولد دلهي التي تأخذ ثلث المساحة أو ربعها، و 20 مليون نسمة في نيو دلهي التي تمتلك باقي المساحة.

كنت أسترق اللحظات كي أراقب السكان المحليين، في بقعة من وسط المدينة القديمة، و عندما كانت أمي مع صديقتها تبحثان عن متجر لبيع القطع الخشبية، بقعة أقل ما يقال عنها أنها زريبة حيوانات مع رائحة كريهة، كان ثلاثة أطفال يلعبون ضاحكين و الفرح يلعب على وجوههم، غير آبهين بازدحام الحياة من حولهم، هل هذا فقر؟ أي فرصة لأولئك الأطفال عندما ينظرون غلى الحياة من على ارتفاع مترين بعد نحو عشر سنين أو اكثر؟؟؟ كم أتمنى لو أستطيع مقابلتهم الآن كي أرى ما رأيهم بفاقة العيش في بلد عدد سكانه تجاوز المليار.

بعد ذلك بعام واحد زرت الإمارات العربية المتحدة، و لا أزال لا أفهم عن أي اتحاد يتكلمون؟ زرت ذلك البلد "العربي" محاولاً الفوز بفرصة عمل، تنتشلني وأهلي من الضائقة المالية، وقد توفر لي و لإخوتي و أمي فرصة عيش أفضل مالياً على الأقل، و لحسن حظي لم أوفق، و لكن ما رأيته في ذلك البلد القائم حديثاً على علاقات عمل منظمة و مستوردة بالكامل من بلاد أخرى، حتى يحس المواطن بأنه غريب عن نفسه فكيف عن الآخر، "بس بتجيب سيارة، بتشتغل 5 سنين و بتدفع بدل جيش، بتشتري بيت، بترتبط و بيصير عندك عيلة وولاد" كلمات لطالما سمعتها و سمعها معظم أفراد جيلي، من أفراد جيل سبقه. كسب مادي سرع، يوفره فرق العملة و فرق سعر الصرف، يتيح لحامل الفيزا الخليجية فرصة الانتقال اقتصادياً إلى مصاف المغتربين الذين يأتون في الإجازة محملين بالهدايا، التي كانت قيمة الواحدة منها لا تتجاوز مصروف طفل في بلد خليجي ليوم واحد.و لكن هل سألنا أحدهم عن ثمن هذه الهدايا التي يدفعها هو و أسرته من روحهم؟ و هل استطاعت المادة و النقود استبدال أسرهم هنا؟ استبدال صحبة الجيران؟ استبدال الشعور العام في هذا البلد و غيره الكثير بأمان الروح؟ بطمأنينة البال؟ براحة الضمير؟

عندما زرت مصر في سنة 2007-2008، كان في بالي زيارة لم تكن في حسبان والدتي التي استغربت بل و أبدت تخوفها من مطلبي، فقد طلبت زيارة أحياء الصفيح، و مساكن القبور، طبعاً لم توافق، و لكنني فعلتها مع صديق لي يقطن القاهرة منذ فترة، ذهبنا في الليل إلى المقطم و بقينا ساهرين حتى بزوغ الفجر، أطلت الشمس ملقية بسحرها على تمثال أبي الهول و الأهرامات الشهيرة من جهة، و ملقية الحزن و الألم في قلبي من جهة أخرى، فما شاهدته من أحياء الصفيح المتراكمة فوق بعضها كان شيئاً غير قابل للتصديق أولاً و غير قابل للوصف ثانياً، آلاف بل قل مئات آلاف من البشر يسكنون أرضاً صنعوا فيها بيوتاً من الصفيح، سمعت الكثير عن هذه البيوت و لكن المنظر كان مؤذياً أكثر، و ما كان مؤذياً أكثر هو حالة البشر المقيمين في ذلك البلد " كل سنة و انت طيب يا بيه، حمد لله على السلامة يا باشا" و عشرات الجمل المزروعة في رأس العديدين، هدفها الوحيد هو كسب جنيه زيادة، فإن لم تفلح، فعليك أن تفتش جيوبك في كل مرة تمر فيها قرب أحد المارة، في ذلك المساء و بعد أن ملأت عيني بصور مخزنة في الذاكرة لبشر ينامون في القبور، لعم تمكنهم من الحصول على منزل، استذكرت حادثة في زيارتي للهند نسيت أن اذكرها سابقاً.

عندما ركبت الباص المتجه إلى تاج محل، مع عدد من الأجانب و دليل سياحي، سمعت القصة التالية:

في أولد دلهي، تجد البشر نائمين على أرصفة الطرقات، و لكل منهم مكانه المحدد الذي يأتيه ليلاً أو نهاراً كما بيته، فيفترش الأرض و ينام. فإن أتى ووجد أحدهم نائماً مكانه، فمن الممكن له بعرف الشارع أن يقتله و يرميه للكلاب في الشارع، لأن هذه البقعة من الرصيف هي ملك له، و لا يحق لأحد أن يقطنها سواه.

نفس القصة موجودة في مساكن القبور، فهذا القبر لي و لأسرتي، وقد نموت دفاعاً عنه، إذ لا مكان آخر لنا لنسكنه سوا هذا القبر.

في الجزائر؟، وفي زيارتي الحالية في سنة 2011، زرت مدينة البليدة كي أستقل التلفريك باتجاه جبل الشريعة، على ارتفاع 1400م و في الطريق صعوداً و هبوطاً كانت صور بيوت الصفيح المحيطة بطريق التلفريك، تجتاحني كما عاصفة هوجاء، كل جمال المنطقة لم يعد قادراً على محو صور تلك البيوت، و أولئك الأطفال الذين يسكنونها و هم عائدين من مدارسهم.

فقر....

فقر بماذا؟

هل هو فقر مادي؟ حسنٌ، هذا الفقر المادي لم؟ و بلد كالهند أو مصر أو الجزائر لديه من الثروات الطبيعية و طاقة العمل البشرية و احتمالات التطور الصناعي و الثقافي ما لا يتوفر لبلاد كثيرة.

لا أستثني بلدي سوريا من المقارنة، و لا بلداً كالبرازيل مثلاً، فكل هذه البلاد لديها طاقات اقتصادية مهمة جداً. لا تستثمر بشكل صحيح أو أن عائدات هذه الاستثمارات تذهب بعيداً إلى أماكن تجمع الرأسمال في البنوك المتعددة الجنسيات.

هل هو فقر روحي؟ حسنٌ، ما السبب في هذا الفقر الروحي؟ و بلد كالهند التي أخرجت أكبر مستعمر مر على الأرض دون عنف، يلد يحمل في تاريخه واحدة كم أهم ثقافات و فلسفات الحياة و السلام و المساواة، مصر التي تعرف من المدنية و الحضارة ما يلزم أمم قارة كاملة أن تجمعه، أم الجزائر التي قدمت مليون شهيد كي تتخلص من استعمار جثم 140 سنة على قلوب و أرواح الناس، فخرج المستعمر و ماتت الأرواح.

أم أحدثكم عن بلدي؟ عن بلد قرأت تاريخه في الكتب، و شاهدته في شوارع و حارات و أزقة مدنه؟ بلد مر عليه آلاف السنين، و آلاف الأجيال، المستعمرين و الطغاة و المفكرين والأدباء، الخلفاء و الأمراء، الآلهة و الأنبياء. حمل سفنه و قوافله المدنية و الحضارة و أرسلها في كل أصقاع الأرض.

إن كان لا بد لي من السؤال أود أن أسألكم، ما الذي تغير فينا حتى بات همنا فردياً، و بات خلاصنا فردياً، و باتت حياتنا تملكاً، بات التطلع داخلنا ليس إلى حرية الذات بل إلى عبودية المادة، ليس إلى فردانية شخصياتنا بل إلى روح القطيع المساق إلى حتفه مطأطئ الرأس، يخاف حتى من ثغاءٍ قد يخرج من فمه فينبح عليه كلب الراعي ليسكته.

هل بتنا فارغين و بائسين لدرجة أننا نرى ما حولنا من تغير فنقول: ما لهم لا يرضون، و هل في الإمكان أحسن مما كان؟

هل بتنا جثثاً هامدة لا تقوَ حتى نفخ التراب و الغبار من حولها لترى أن الحياة سبقتنا بمسافةٍ لو ركضنا بأقصى سرعتنا فلن نلحق بها؟

هل استسلمنا لقدرنا و قبلنا أن نكون على هامش الحياة، حياتنا نحن، مستقبلنا نحن؟

هل أصبح الهواء ثقيلاً في رئتينا حتى عجزنا عن التنفس و توقفنا عن الإحساس بجدوى الحركة في الحياة؟

هل توقف الدم عن الجريان في عروقنا واستبدلناه بالمحسوبيات و الرشاوى و الواسطة؟

هل أصبحت أرواحنا ضيقة مضغوطة إلى حد أن تباع و تشترى في بورصات السوق و طاولات القمار في الفنادق؟

إن لم نكن كذلك، ألا يحركنا من الداخل شعور بالحاجة للتغيير؟

ألم يحن الوقت لتغيير؟ تغيير فينا، قبل أن يكون خارجنا؟؟؟

الحياة جمعية و الخلاص جمعي و الهم جمعي و التغيير جمعي و النتيجة جمعية، و لنا أن نهرب من هذه الكلمات، و لكنها ستلاحقنا، كلما هربنا و هرمنا، سيبقى في قاع كل منا، تلك الروح التي لا تنام، لا تموت لا تقهر، ستظل حية شاهدة أن هنا كان بشر أداروا ظهرهم لمسؤوليتهم تجاه أنفسهم و تجاه جماعتهم، تجاه تاريخهم و تجاه أجيال خلت وأجيال ستأتي.

للفقر أوجه عديدة في الظاهر، ووجه واحد في الحقيقة، كلما ازداد فقر الروح و الحياة، صار الإنسان بائساً أكثر

30-01-2011

ما الحب

ما الحب؟

سؤال غامض راود الناس على مر أجيال عديدة، كتبوا عنه الكتب و ألفوا القصائد و غنوا الأغاني و قصوا القصص. و قد قرأت وسمعت و شاهدت و استمعت للعديد من هذه التعبيرات على مدى سني عمري الماضية، و لكن إحساسي به لم يكن من قبل كما هو الآن.

إنه شعور خفيف يجتاحني من طرفي إلى طرفي الآخر، يجعلني أجس بجسمي خفيفاً كما المحمول على غيمة، يترك في نفسي الإحساس بأن ساعات النهار الثقيلة و المليئة بتفاصيل الحياة اليومية قابلة للاحتمال أكثر، تتزاحم ثوانيها و دقائقها بسرعة لتزيد ساعة تلو الأخرى حتى يحين موعد لقائي بك، عندها و عندها فقط يصبح للحياة طعم آخر، طعم فيه من النكهات ما يفوق قدرة عقلي على التمييز، فأثق بقلبي مرة أخرى ليقودني بين روائحك و نكهاتك، حتى أصل إليك.

للفقر وجه واحد

لا أدري هل هي المصادفة؟ أم أن الحياة تضعني في طرق الفقر!!!

أم أنني أبحث أينما ذهبت عن معاناة البشر، معاناتهم المادية و الروحية.

احترت باسم المقالة أو بترتيب قصصها أو أفكارها، فهل أكتب عن الفقر في بلدي؟ في البلاد التي زرتها؟ في الكتب التي قرأتها؟

هل أكتب عنه كظاهرة مجتمعية؟ أم كنتيجة اقتصادية؟

هل أصف مشاهداتي العينية بتجرد؟ أم أحلل من مخزوني التراكمي من كتب و مقالات؟

هل للفقر وجه واحد؟

مذ نشأت كان في رأسي تحذيرٌ قديمٌ عن منطقة مجاورة لمكان نشأتي (النازحون)، منطقة قطنها ولا يزال العديد من سكان بلدي ممن نزحوا من بيوتهم و ديارهم في الجولان المحتل، ممن لم يقدروا على شراء منازل تليق بإنسانيتهم.

كان التحذير من عائلتي، بأن تلك المنطقة من المناطق المحرم علينا كصغار أن نزورها، لِمَ؟ كان السؤال و كان الجواب دوماً غير مقنعٍ.

تلك المنطقة مليئة بالمشاكل، مشاكل أمنية، سرقات، اعتداءات و ما إلى ذلك من رعب الطفولة و غموض المكان و التجربة.

و عندما كبرت وجدت أن قاطني تلك المنطقة يعانون من فقرٍ شديدٍ و نقص في الخدمات الأساسية للحياة، ماديةً كانت أم إنسانية أم معنوية. و لم تنجح محاولاتي في تبرير خوف والدتي و عزوه إلى شعور الحماية الأمومي، فقد كبرت و بتّ أرى المشاكل في تلك المنطقة بعيني. بل و تسنّت لي الفرصة بأن أرى مناطق عديدة مشابهة، يحكمها بشكل أساسي و يصبغها بطابع مشترك الفقر.

عندما انتقلت إلى ريفٍ في محافظة اللاذقية، لأقطن لمدة 9 سنين، كان التعامل مع الفقر يومياً، فمن شدة وطئته، كان علي أن أحسب مع عمتي التي لا تقرأ و لا تكتب، مصروفنا من الخبز اليومي، من بداية الشهر، كي يتسنى لنا معرفة الفائض من المصروف الشحيح أصلاً، و الذي بدوره يتوزع على عدة قنوات منها الزيت و منها المازوت للتدفئة، فلا يبقى منه سوى فروجٍ واحد في الشهر يطعم 6 أشخاص و أحياناً أكثر لتبلغ حصة الواحد منا 100غ من الدجاج أو اللحم في الشهر.

لا أزال أذكر كيف كان حذاء أي منا أنا و إخوتي و ربما أعمامي الذين كانت أنفتهم و كبرياؤهم تمنعانهم من إظهار فقرنا أمام باقي عائلات القرية، ذلك الحذاء الذي قد يكون بحاجة للإصلاح بسبب كثرة التصليحات به، خلال شتاءٍ قاسٍ يغمر المنطقة بأمطار أو ثلوج تحتاج فيما تحتاجه إلى أكثر من حذاء جديد يدفئ قدميّ.

كان الفقر مجسداً أمامي في العديد من تفاصيل حياتنا، و كنت أذهل من براعة أهل القرية في التعامل مع فقرهم، و لم أدرك إلا مؤخراً كم أثر فيّ تعاون و تماسك ذلك المجتمع مع بعضه، كيف كان الجميع و بلا استثناء تقريباً يمدون بعضهم بإمداداتٍ يحتاجها الجميع، من حطب للتدفئة أو مخلفات حيوانية لتسميد الأرض، إلى مشاركة بالمحاصيل، إلى مساعدة في عمل الأرض، وحتى في الأعمال المنزلية.

كيف كان جميع من في القرية ينظرون بعين الاحتقار لمن يتقاعس عن أداء الواجب لحماية هذا المجتمع الصغير من تأثيرات الفاقة المادية. لم يكن ذلك فقراً معنوياً بل كان مادياً بحتاً، و لكن الآن عندما أنظر إلى القرية، أجد أن الفقر المادي قد تراجع و زاد الفقر الروحي على حسابه، و أحزن. أحزن عندما أجد أن العديد من جيران بيت جدي، قد أصبحوا مكتفين، مكتفين مادياً، فانكفئوا معنوياً.

عند عودتي إلى دمشق، بعد غياب 9 سنوات، كانت المدينة غريبة علي، غريبة كمن لم يسكنها في حياته، فموقعي في الحياة قد تغير، فبينما كنت أنظر إلى الحياة كما الأشخاص من علو نصف متر، بت أرى الأشياء من أعلى، و قد أصبح طولي حوالي المترين، بت أرى التفاصيل التي كانت تبدو عوالم أخرى و أنا صغير.

بت أبحث عن معنىً، معنى لكل ما حولي، لم أستطع منع نفسي من المقارنة بين عوالم عشتها، أماكن زرتها، بشرٌ مروا في دربي أو مررت في دربهم.

حتى المدينة أمام نفسها تغيرت، و باتت بحاجة لمن يدلها على طريقها وسط انقلابات عديدة، انقلابات مجتمعية و اقتصادية، صراعات أجيال تبدأ من الأسرة و لا تنتهي فقط عند متغيرات محلية و إقليمية و دولية غيرت معالم الأرض و من عليها.

هالني اتساع المدينة، و ضيق معرفتي بها، آلمني أن مدينتي هي مدينة صغيرة بكل ما فيها من معتركات للحياة اليومية ولم أكُ أدرك بأن ما تعيشه مدينتي و أسرتي و أنا مشتركٌ لحدٍ كبيرٍ مع ما يعيشه 90% من سكان الأرض.

في سنة 2001 أتيحت لي فرصة زيارة الهند، القارة الهندية كلها كانت أمام عيني و أنا أحلق في الطائرة، طبعاً في هذه الصورة مبالغةٌ كبيرةٌ فالقارة الهندية لا يمكن أن تشاهد كلها من طائرة، مهما كانت عالية، هذا ما اكتشتفه لاحقاً. كانت إقامتي في العاصمة دلهي، و كانت العاصمة مقسمة إلى قسمين، نيو دلهي أو دلهي الجديدة، و أولد دلهي أو دلهي القديمة، بعدد سكان إجمالي يقدر في 2001 بحوالي 100 مليون نسمة، على بقعة جغرافية بمساحة نصف سوريا، و بتوزيع ديموغرافي جائر،ن حيث يقطن 80 مليون نسمة في أولد دلهي التي تأخذ ثلث المساحة أو ربعها، و 20 مليون نسمة في نيو دلهي التي تمتلك باقي المساحة.

كنت أسترق اللحظات كي أراقب السكان المحليين، في بقعة من وسط المدينة القديمة، و عندما كانت أمي مع صديقتها تبحثان عن متجر لبيع القطع الخشبية، بقعة أقل ما يقال عنها أنها زريبة حيوانات مع رائحة كريهة، كان ثلاثة أطفال يلعبون ضاحكين و الفرح يلعب على وجوههم، غير آبهين بازدحام الحياة من حولهم، هل هذا فقر؟ أي فرصة لأولئك الأطفال عندما ينظرون غلى الحياة من على ارتفاع مترين بعد نحو عشر سنين أو اكثر؟؟؟ كم أتمنى لو أستطيع مقابلتهم الآن كي أرى ما رأيهم بفاقة العيش في بلد عدد سكانه تجاوز المليار.

بعد ذلك بعام واحد زرت الإمارات العربية المتحدة، و لا أزال لا أفهم عن أي اتحاد يتكلمون؟ زرت ذلك البلد "العربي" محاولاً الفوز بفرصة عمل، تنتشلني وأهلي من الضائقة المالية، وقد توفر لي و لإخوتي و أمي فرصة عيش أفضل مالياً على الأقل، و لحسن حظي لم أوفق، و لكن ما رأيته في ذلك البلد القائم حديثاً على علاقات عمل منظمة و مستوردة بالكامل من بلاد أخرى، حتى يحس المواطن بأنه غريب عن نفسه فكيف عن الآخر، "بس بتجيب سيارة، بتشتغل 5 سنين و بتدفع بدل جيش، بتشتري بيت، بترتبط و بيصير عندك عيلة وولاد" كلمات لطالما سمعتها و سمعها معظم أفراد جيلي، من أفراد جيل سبقه. كسب مادي سرع، يوفره فرق العملة و فرق سعر الصرف، يتيح لحامل الفيزا الخليجية فرصة الانتقال اقتصادياً إلى مصاف المغتربين الذين يأتون في الإجازة محملين بالهدايا، التي كانت قيمة الواحدة منها لا تتجاوز مصروف طفل في بلد خليجي ليوم واحد.و لكن هل سألنا أحدهم عن ثمن هذه الهدايا التي يدفعها هو و أسرته من روحهم؟ و هل استطاعت المادة و النقود استبدال أسرهم هنا؟ استبدال صحبة الجيران؟ استبدال الشعور العام في هذا البلد و غيره الكثير بأمان الروح؟ بطمأنينة البال؟ براحة الضمير؟

عندما زرت مصر في سنة 2007-2008، كان في بالي زيارة لم تكن في حسبان والدتي التي استغربت بل و أبدت تخوفها من مطلبي، فقد طلبت زيارة أحياء الصفيح، و مساكن القبور، طبعاً لم توافق، و لكنني فعلتها مع صديق لي يقطن القاهرة منذ فترة، ذهبنا في الليل إلى المقطم و بقينا ساهرين حتى بزوغ الفجر، أطلت الشمس ملقية بسحرها على تمثال أبي الهول و الأهرامات الشهيرة من جهة، و ملقية الحزن و الألم في قلبي من جهة أخرى، فما شاهدته من أحياء الصفيح المتراكمة فوق بعضها كان شيئاً غير قابل للتصديق أولاً و غير قابل للوصف ثانياً، آلاف بل قل مئات آلاف من البشر يسكنون أرضاً صنعوا فيها بيوتاً من الصفيح، سمعت الكثير عن هذه البيوت و لكن المنظر كان مؤذياً أكثر، و ما كان مؤذياً أكثر هو حالة البشر المقيمين في ذلك البلد " كل سنة و انت طيب يا بيه، حمد لله على السلامة يا باشا" و عشرات الجمل المزروعة في رأس العديدين، هدفها الوحيد هو كسب جنيه زيادة، فإن لم تفلح، فعليك أن تفتش جيوبك في كل مرة تمر فيها قرب أحد المارة، في ذلك المساء و بعد أن ملأت عيني بصور مخزنة في الذاكرة لبشر ينامون في القبور، لعم تمكنهم من الحصول على منزل، استذكرت حادثة في زيارتي للهند نسيت أن اذكرها سابقاً.

عندما ركبت الباص المتجه إلى تاج محل، مع عدد من الأجانب و دليل سياحي، سمعت القصة التالية:

في أولد دلهي، تجد البشر نائمين على أرصفة الطرقات، و لكل منهم مكانه المحدد الذي يأتيه ليلاً أو نهاراً كما بيته، فيفترش الأرض و ينام. فإن أتى ووجد أحدهم نائماً مكانه، فمن الممكن له بعرف الشارع أن يقتله و يرميه للكلاب في الشارع، لأن هذه البقعة من الرصيف هي ملك له، و لا يحق لأحد أن يقطنها سواه.

نفس القصة موجودة في مساكن القبور، فهذا القبر لي و لأسرتي، وقد نموت دفاعاً عنه، إذ لا مكان آخر لنا لنسكنه سوا هذا القبر.

في الجزائر؟، وفي زيارتي الحالية في سنة 2011، زرت مدينة البليدة كي أستقل التلفريك باتجاه جبل الشريعة، على ارتفاع 1400م و في الطريق صعوداً و هبوطاً كانت صور بيوت الصفيح المحيطة بطريق التلفريك، تجتاحني كما عاصفة هوجاء، كل جمال المنطقة لم يعد قادراً على محو صور تلك البيوت، و أولئك الأطفال الذين يسكنونها و هم عائدين من مدارسهم.

فقر....

فقر بماذا؟

هل هو فقر مادي؟ حسنٌ، هذا الفقر المادي لم؟ و بلد كالهند أو مصر أو الجزائر لديه من الثروات الطبيعية و طاقة العمل البشرية و احتمالات التطور الصناعي و الثقافي ما لا يتوفر لبلاد كثيرة.

لا أستثني بلدي سوريا من المقارنة، و لا بلداً كالبرازيل مثلاً، فكل هذه البلاد لديها طاقات اقتصادية مهمة جداً. لا تستثمر بشكل صحيح أو أن عائدات هذه الاستثمارات تذهب بعيداً إلى أماكن تجمع الرأسمال في البنوك المتعددة الجنسيات.

هل هو فقر روحي؟ حسنٌ، ما السبب في هذا الفقر الروحي؟ و بلد كالهند التي أخرجت أكبر مستعمر مر على الأرض دون عنف، يلد يحمل في تاريخه واحدة كم أهم ثقافات و فلسفات الحياة و السلام و المساواة، مصر التي تعرف من المدنية و الحضارة ما يلزم أمم قارة كاملة أن تجمعه، أم الجزائر التي قدمت مليون شهيد كي تتخلص من استعمار جثم 140 سنة على قلوب و أرواح الناس، فخرج المستعمر و ماتت الأرواح.

أم أحدثكم عن بلدي؟ عن بلد قرأت تاريخه في الكتب، و شاهدته في شوارع و حارات و أزقة مدنه؟ بلد مر عليه آلاف السنين، و آلاف الأجيال، المستعمرين و الطغاة و المفكرين والأدباء، الخلفاء و الأمراء، الآلهة و الأنبياء. حمل سفنه و قوافله المدنية و الحضارة و أرسلها في كل أصقاع الأرض.

إن كان لا بد لي من السؤال أود أن أسألكم، ما الذي تغير فينا حتى بات همنا فردياً، و بات خلاصنا فردياً، و باتت حياتنا تملكاً، بات التطلع داخلنا ليس إلى حرية الذات بل إلى عبودية المادة، ليس إلى فردانية شخصياتنا بل إلى روح القطيع المساق إلى حتفه مطأطئ الرأس، يخاف حتى من ثغاءٍ قد يخرج من فمه فينبح عليه كلب الراعي ليسكته.

هل بتنا فارغين و بائسين لدرجة أننا نرى ما حولنا من تغير فنقول: ما لهم لا يرضون، و هل في الإمكان أحسن مما كان؟

هل بتنا جثثاً هامدة لا تقوَ حتى نفخ التراب و الغبار من حولها لترى أن الحياة سبقتنا بمسافةٍ لو ركضنا بأقصى سرعتنا فلن نلحق بها؟

هل استسلمنا لقدرنا و قبلنا أن نكون على هامش الحياة، حياتنا نحن، مستقبلنا نحن؟

هل أصبح الهواء ثقيلاً في رئتينا حتى عجزنا عن التنفس و توقفنا عن الإحساس بجدوى الحركة في الحياة؟

هل توقف الدم عن الجريان في عروقنا واستبدلناه بالمحسوبيات و الرشاوى و الواسطة؟

هل أصبحت أرواحنا ضيقة مضغوطة إلى حد أن تباع و تشترى في بورصات السوق و طاولات القمار في الفنادق؟

إن لم نكن كذلك، ألا يحركنا من الداخل شعور بالحاجة للتغيير؟

ألم يحن الوقت لتغيير؟ تغيير فينا، قبل أن يكون خارجنا؟؟؟

الحياة جمعية و الخلاص جمعي و الهم جمعي و التغيير جمعي و النتيجة جمعية، و لنا أن نهرب من هذه الكلمات، و لكنها ستلاحقنا، كلما هربنا و هرمنا، سيبقى في قاع كل منا، تلك الروح التي لا تنام، لا تموت لا تقهر، ستظل حية شاهدة أن هنا كان بشر أداروا ظهرهم لمسؤوليتهم تجاه أنفسهم و تجاه جماعتهم، تجاه تاريخهم و تجاه أجيال خلت وأجيال ستأتي.

للفقر أوجه عديدة في الظاهر، ووجه واحد في الحقيقة، كلما ازداد فقر الروح و الحياة، صار الإنسان بائساً أكثر

30-01-2011